فصل: تفسير الآيات (64- 70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (56- 63):

{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)}
المقاليد: المفاتيح، قيل: لا واحد لها من لفظها، قاله التبريزي. وقيل: واحدها مقليد، وقيل: مقلاد، ويقال: إقليد وأقاليد، والكلمة أصلها فارسية..
{أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كانت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يسمهم السوء ولاهم يحزنون الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون}.
روي أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق، أتاه إبليس فقال له: تمتع من الدنيا ثم تب، فأطاعه وأنفق ماله في الفجور. فأتاه ملك الموت في ألذ ما كان، فقال: {ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله}، وذهب عمري في طاعة الشيطان، وأسخطت ربي، فندم حين لا ينفعه، فأنزل الله خبره. {أن تقول}: مفعول من أجله، فقدره ابن عطية: أي أنيبوا من أجل أن تقول. وقال الزمخشري: كراهة أن تقول، والحوفي: أنذرناكم مخافة أن تقول، ونكر نفس لأنه أريد بها بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، أو أريد الكثير، كما قال الأعشى:
ورب نفيع لو هتفت لنحوه ** أتاني كريم ينقض الرأسى مغضبا

يريد أفواجاً من الكرام ينصرونه، لا كريماً واحداً؛ أو أريد نفس متميزة من الأنفس بالفجاج الشديد في الكفر، أو بعذاب عظيم. قال هذه المحتملات الزمخشري، والظاهر الأول. وقرأ الجمهور: يا حسرتا، بإبدال ياء المتكلم ألفاً، وأبو جعفر: يا حسرتا، بياء الإضافة، وعنه: يا حسرتي، بالألف والياء جمعاً بين العوض والمعوض، والياء مفتوحة أو سانة. وقال أبو الفضل الرازي في تصنيفه (كتاب اللوامح): ولو ذهب إلى أنه أراد تثنية الحسرة مثل لبيك وسعديك، لأن معناهما لب بعد لب وسعد بعد سعد، فكذلك هذه الحسرة بعد حسرة، لكثرة حسراتهم يومئذ؛ أو أراد حسرتين فقط من قوت الجنة لدخول النار، لكان مذهباً، ولكان ألف التثنية في تقدير الياء على لغة بلحرث بن كعب. انتهى. وقرأ ابن كثير في الوقف: يا حسرتاه، بهاء السكت. قال سيبويه: ومعنى نداء الحسرة والويل: هذا وقتك فاحضري. والجنب: الجانب، ومستحيل على الله الجارحة، فإضافة الجنب إليه مجاز. قال مجاهد، والسدي: في أمر الله. وقال الضحاك: في ذكره، يعني القرآن والعمل به. وقيل: في جهة طاعته، والجنب: الجهة، وقال الشاعر:
أفي جنب تكنى قطعتني ملامة ** سليمى لقد كانت ملامتها ثناء

وقال الراجز:
الناس جنب والأمير جنب

ويقال: أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته؛ وفلان لين الجنب والجانب. ثم قالوا: فرط في جنبه، يريدون حقه. قال سابق البربري:
أما تتقين الله في جنب عاشق ** له كبد حرى عليك تقطع

وهذا من باب الكناية، لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه، فقد أثبته فيه. ألا ترى إلى قوله:
إن السماحة والمروءة والندى ** في قبة ضربت على ابن الحشرج

ومنه قول الناس: لمكانك فعلت كذا، يريدون: لأجلك، وكذلك فعلت هذا من جهتك. وما في ما فرطت مصدرية، أي على تفريطي في طاعة الله. {وإن كنت من الساخرين}، قال قتادة: لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها. وقال الزمخشري: ومحل وإن كنت النصب على الحال، كأنه قال: فرطت وأنا ساخر، أي فرطت في حال سخريتي. انتهى. ويظهر أنه استئناف إخبار عن نفسه بما كان عليه في الدنيا، لا حال. {أو تقول لو أن الله هداني}: أي خلق في الهداية بالإلجاء، وهو خارج عن الحكمة، أو بالألطاف، ولم يكن من أهلها فيلطف به، أو بالوحي، فقد كان، ولكنه أعرض، ولم يتبعه حتى يهتدي. وإنما يقول هذا تحيراً في أمره، وتعللاً بما يجدي عليه. كما حكى عنهم التعلل بإغواء الرؤساء والشياطين ونحوه: لو هدانا الله لهديناكم. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. وانتصب {فأكون} على جواب التمني الدال عليه لو، أو على كرة، إذ هو مصدر، فيكون مثل قوله:
فما لك منها غير ذكرى وحسرة ** وتسأل عن ركبانها أين يمموا

وقول الآخر:
للبس عباءة وتقر عيني ** أحب إليّ من لبس الشفوف

والفرق بينهما أن الفاء إذا كانت في جواب التمني، كانت أن واجبة الإضمار، وكان الكون مترتباً على حصول المتمني، لا متمنى. وإذا كانت للعطف على كرة، جاز إظهار أن وإضمارها، وكان الكون متمني. {بلى}: هو حرف جواب لمنفي، أو لداخل عليه همزة التقرير. ولما كان قوله: {لو أن الله هداني} وجوابه متضمناً نفي الهداية، كأنه قال: ما هداني الله، فقيل له: {بلى قد جاءتك آياتي} مرشدة لك، فكذبت. وقال الزمخشري: رد من الله عليه ومعناه: بلى قد هديت بالوحي. انتهى، جرياً على قواعد المعتزلة. وقال ابن عطية: وحق بلى أن تجيء بعد نفي عليه تقرير، وقوله: {بلى} جواب لنفي مقدر، كأن النفس قالت: فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر، أو قالت: فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا ونحو هذا. انتهى. وليس حق بلى ما ذكر، بل حقها أن تكون جواب نفي. ثم حمل التقرير على النفي، ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب، وأجابه بنعم، ووقع ذلك أيضاً في كلام سيبويه نفسه أن أجاب التقرير بنعم اتباعاً لبعض العرب. وقال الزمخشري: فإن قلت: هلا قرن الجواب بما هو جواب له، وهو قوله: {لو أن الله هداني}، ولم يفصل بينهما بآية؟ قلت: لأنه لا يخلو، إما أن يقدم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن، وإما أن تؤخر القرينة الوسطى.
فلم يحسن الأول لما فيه من تبتير النظم بالجمع بين القرائن؛ وأما الثاني، فلما فيه من نقض الترتيب، وهو التحسر على التفريط في الطاعة، ثم التعلل بفقد الهداية. ثم تمنى الرجعة، فكان الصواب ما جاء عليه، وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها، ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب. انتهى، وهو كلام حسن.
وقرأ الجمهور: {قد جائتك}، بفتح الكاف وفتح تاء ما بعدها، خطاباً للكافر ذي النفس. وقرأ ابن يعمر والجحدري، وأبو حيوة، والزعفراني، وابن مقسم، ومسعود بن صالح، والشافعي عن ابن كثير، ومحمد بن عيسى في اختياره وعن نصير، والعبسي: بكسر الكاف والتاء، خطاب للنفس، وهي قراءة أبي بكر الصديق وابنته عائشة، رضي الله عنهما، وروتهما أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الحسن، والأعرج، والأعمش: جأتك، بالهمز من غير مد، بوزن بعتك، وهو مقلوب من جاءتك، قدمت لام الكلمة وأخرت العين فسقطت الألف، كما سقطت في رمت وعرب. ولما ذكر مقالة الكافر، ذكر ما يعرض له يوم القيامة من الإنذار بسوء منقلبة، وفي ضمنه وعيد لمعاصريه، عليه السلام. والرؤية هنا من رؤية البصر، وكذبهم نسبتهم إليه تعالى البنات والصاحبة والولد، وشرعهم ما لم يأذن به الله. والظاهر أنه عام في المكذبين على الله، وخصه بعضهم بمشركي العرب وبأهل الكتابين. وقال الحسن: هم القدرية يقولون: إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل. وقال القاضي: يجب حمل الآية على الكل من المجبرة والمشبهة وكل من وصف الله بما لا يليق به نفياً وإثباتاً، فأضاف إليه ما يجب أن لا يضاف إليه، فالكل كذبوا على الله؛ فتخصيص الآية بالمجبرة والمشبهة واليهود والنصارى لا يجوز.
وقال الزمخشري: {كذبوا على الله}: وصفوه بما لا يجوز عليه، وهو متعال عنه، فأضافوا إليه الولد والشريك، وقالوا: {شفعاؤنا عند الله} وقالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم} وقالوا: {والله أمرنا بها} ولا يعبد عنهم قوم يسفهونه بفعل القبائح. ويجوز أن يخلق خلقاً لا لغرض، وقوله: لا لغرض، ويظلمونه بتكليف ما لا يطاق، ويجسمونه بكونه مرئياً مدركاً بالحاسة، ويثبتون له يداً وقدماً وجنباً مستترين بالبلكفة، ويجعلون له أنداداً بإثباتهم معه قدماً. انتهى، وكلام من قبله على طريقة المعتزلة. والظاهر أن الرؤية من رؤية البصر، وأن {وجوههم مسودة} جملة في موضع الحال، وفيها رد على الزمخشري، إذ زعم أن حذف الواو من الجملة الاسمية المشتملة على ضمير ذي الحال شاذ، وتبع في ذلك الفراء، وقد أعرب هو هذه الجملة حالاً، فكأنه رجع عن مذهبه ذلك، وأجاز أيضاً أن تكون من رؤية القلب في موضع المفعول الثاني، وهو بعيد، لأن تعلق البصر برؤية الأجسام وألوانها أظهر من تعلق القلب.
وقرئ: وجوههم مسودّة بنصبهما، فوجوههم بدل بعض من كل. وقرأ أبي: أجوههم، بإبدال الواو همزة، والظاهر أن الاسوداد حقيقة، كما مر في قوله: {فأما الذين اسودت وجوههم} وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون في العبارة تجوز، وعبر بالسواد عن ارتداد وجوههم وغالب همهم وظاهر كآبتهم.
ولما ذكر تعالى حال الكاذبين على الله، ذكر حال المتقين، أي الكذب على الله وغيره، مما يؤول بصاحبه إلى اسوداد وجهه، وفي ذلك الترغيب في هذا الوصف الجليل الذي هو التقوى. قال السدي: {بمفازتهم}: بفلاحهم، يقال: فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده، وتفسير المفازة قوله: {لا يسمهم السوء ولا هم يحزنون}، كأنه قيل: وما مفازتهم؟ قيل: لا يمسهم السوء، أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم، أو بسبب منجاتهم من قوله تعالى: {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} أي بمنجاة منه، لأن النجاة من أعظم الفلاح، وسبب منجاتهم العمل الصالح، ولهذا فسر ابن عباس رضي الله عنه المفازة: بالأعمال الحسنة؛ ويجوز بسبب فلاحهم، لأن العمل الصالح سبب الفلاح، وهو دخول الجنة. ويجوز أن يسمى العمل الصالح بنفسه مفازة، لأنه سببها. فإن قلت: {لا يمسهم}، ما محله من الإعراب على التفسيرين؟ قلت: أما على التفسير الأول فلا محل له، لأنه كلام مستأنف، وأما على الثاني فمحله النصب على الحال. انتهى. وقرأ الجمهور: بمفازتهم على الإفراد، والسلمي، والحسن، والأعرج، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر: على الجمع، من حيث النجاة أنواع، والأسباب مختلفة. قال أبو علي: المصادر تجمع إذا اختلفت أجناسها كقوله: {وتظنون بالله الظنونا} وقال الفراء: كلا القراءتين صواب، تقول: قد تبين أمر الناس وأمور الناس. ولما ذكر تعالى الوعد والوعيد، عاد إلى دلائل الإلهية والتوحيد، فذكر أنه خالق كل شيء، فدل على أعمال العباد لاندراجها في عموم كل شيء، وأنه على كل الأشياء قائم لحفظها وتدبيرها.
{له مقاليد السموات والأرض}: قال ابن عباس: مفاتيح، وهذه استعارة، كما تقول: بيد فلان مفتاح هذا الأمر. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن المقاليد لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير» وتأويله على هذا: أن لله هذه الكلمات، يوحد بها ويمجد، وهي مفاتيح خير السموات والأرض، من تكلم بها من المتقين أصاب. {والذين كفروا بآيات الله} وكلماته توحيده وتمجيده، {أولئك هم الخاسرون}. وقال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله: {والذين كفروا}؟ قلت: بقوله: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم والذين كفروا هم الخاسرون} واعترض بينهما: بأن خالق الأشياء كلها، وهو مهيمن عليها، لا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين منها وما يستحقون عليها من الجزاء، وأن {له مقاليد السموات والأرض}.
قال أبو عبد الله الرازي: وهذا عندي ضعيف من وجهين: الأول: أن وقوع الفاصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد. والثاني: أن قوله تعالى: {وينجي الله الذين اتقوا}: جملة فعلية، وقوله: {والذين كفروا}: جملة اسمية، وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز، والأقرب عندي أن يقال: إنه لما وصف بصفات الإلهية والجلالة، وهو كونه خالق الأشياء كلها، وكونه مالكاً لمقاليد السموات والأرض، وقال: الذين كفروا بهذه الآيات الظاهرة الباهرة هم الخاسرون. انتهى، وليس بفاصل كثير. وقوله: وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز، كلام من لم يتأمل لسان العرب، ولا نظر في أبواب الاشتغال. وأما قوله: والأقرب عندي فهو مأخوذ من قول الزمخشري، وقد جعل متصلاً بما يليه، على أن كل شيء في السموات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه، والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك {أولئك هم الخاسرون}.

.تفسير الآيات (64- 70):

{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)}
روي أنه قال للرسول عليه السلام: المشركون استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك، وغير منصوب بأعبد. قال الأخفش: تأمروني ملغاة، وعنه أيضاً: أفغير نصب بتأمروني لا بأعبد، لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها، إذ الموصول منه حذف فرفع، كما في قوله:
ألا أيها ذا الزاجري احضر الوغى

والصلة مع الموصول في موضع النصب بدلاً منه، أي أفغير الله تأمرونني عبادته؟ والمعنى: أتأمرونني بعبادة غير الله؟ وقال الزمخشري: أو ينصب بما يدل عليه جملة قوله: {تأمروني أعبد} لأنه في معنى تعبدون وتقولون لي: اعبده، وأفغير الله تقولون لي اعبد، فكذلك أفغير الله تقولون لي أن اعبده، وأفغير الله تأمروني أن أعبد. والدليل على صحة هذا الوجه قراءات من قرأ أعبد بالنصب، يعني: بنصب الدال بإضمار أن. وقرأ الجمهور: تأمروني، بإدغام النون في نون الوقاية وسكون الياء؛ وفتحها ابن كثير. وقرأ ابن عامر: تأمرنني، بنونين على الأصل؛ ونافع: تأمرني، بنون واحدة مكسورة وفتح الياء. قال ابن عطية: وهذا على حذف النون الواحدة، وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى، وهو لحن، لأنها علامة رفع الفعل. انتهى. وفي المسألة خلاف، منهم من يقول: المحذوفة نون الرفع، ومنهم من يقول: نون الوقاية، وليس بلحن، لأن التركيب متفق عليه، والخلاف جرى في أيهما حذف، ونختار أنها نون الرفع.
ولما كان الأمر بعبادة غير الله لا يصدر إلا من غبي جاهل، نادهم بالوصف المقتضي ذلك فقال: {أيها الجاهلون}. ولما كان الإشراك مستحيلاً على من عصمه الله، وجب تأويل قوله: {لئن أشركت} أيها السامع، ومضى الخطاب على هذا التأويل. ويدل على هذا التأويل أنه ليس براجع الخطاب للرسول، إفراداً لخطاب في {لئن أشركت}، إذ لو كان هو المخاطب، لكان التركيب: لئن أشركتما، فيشمل ضمير هو ضمير الذين من قبله، ويغلب الخطاب. وقال الزمخشري: فإن قلت: المومى إليهم جماعة، فكيف قال: {لئن أشركت} على التوحيد؟ قلت معناه: لئن أوحى إليك، {لئن أشركت ليحبطن عملك}، وإلى الذين من قبلك مثله، وأوحى إليك وإلى كل واحد منهم {لئن أشركت}، كما تقول: كسانا حلة، أي كل واحد منا. فإن قلت: كيف يصح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا يحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها ثم ذكر كلاماً يوقف عليه في كتابه. ويستدل بهذه الآية على حبوط عمل المرتد من صلاة وغيرها. وأوحى: مبني للمفعول، ويظهر أن الوحي هو هذه الجمل: من قوله: {لئن أشركت} إلى {من الخاسرين} وهذا لا يجوز على مذهب البصريين، لأن الجمل لا تكون فاعلة، فلا تقوم مقام الفاعل. وقال مقاتل: أوحى إليك بالتوحيد، والتوحيد محذوف.
ثم قال: {لئن أشركت ليحبطن عملك}، والخطاب للنبي عليه السلام خاصة. انتهى. فيكون الذي أقيم مقام الفاعل هو الجار والمجرور، وهو إليك، وبالتوحيد فضلة يجوز حذفها لدلالة ما قبلها عليها. وقرأ الجمهور: {ليحبطن} مبنياً للفاعل، {عملك}: رفع به. وقرئ: ليحبطن بالياء، من أحبط عمله بالنصب، أي ليحبطن الله عملك، أو الإشراك عملك. وقرئ بالنون أي: لنحبطن عملك بالنصب، والجلالة منصوبة بقوله: فاعبد على حدّ قولهم: زيد فاضرب، وله تقرير في النحو وكيف دخلت هذه الفاء. وقال الفراء: إن شئت نصبه بفعل مضمر قبله، كأنه يقدر: اعبد الله فاعبده.
وقال الزمخشري: {بل الله فاعبد}، ردّ لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم، كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته، بل إن كنت عاقلاً فاعبد الله، فحذف الشرط وجعل تقدم المفعول عوضاً منه. انتهى. ولا يكون تقدم المفعول عوضاً من الشرط لجواز أن يجيء: زيد فعمراً اضرب. فلو كان عوضاً، لم يجز الجمع بينهما. {وكن من الشاكرين} لأنعمه التي أعظمها الهداية لدين الله. وقرأ عيسى: بل الله بالرفع، والجمهور: بالنصب. {وما قدروا الله حق قدره}: أي ما عرفوه حق معرفته، وما قدروه في أنفسهم حق تقديره، إذ أشركوا معه غيره، وساووا بينه وبين الحجر والخشب في العبادة. وقرأ الأعمش: حق قدره بفتح الدال؛ وقرأ الحسن، وعيسى، وأبو نوفل، وأبو حيوة: وما قدروا بتشديد الدال، حق قدره: بفتح الدال، أي ما عظموه حقيقة تعظيمه. والضمير في قدروا، قال ابن عباس: في كفار قريش، كانت هذه الآية كلها محاورة لهم وردًّا عليهم. وقيل: نزلت في قوم من اليهود تكلموا في صفات الله وجلاله، فألحدوا وجسموا وجاءوا بكل تخليط. وهذه الجملة مذكورة في الأنعام وفي الحج وهنا.
ولما أخبر أنهم ما عرفوه حق معرفته، نبههم على عظمته وجلاله شأنه على طريق التصوير والتخييل فقال: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويّات بيمينه}. وقال الزمخشري: والغرض من هذا الكلام، إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعة تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز. انتهى. ويعني: أو جهة مجاز معين، والإخبار: التصوير، والتخييل هو من المجاز. وقال غيره: الأصل في الكلام حمله على حقيقته، فإن قام دليل منفصل على تعذر حمله عليها، تعين صرفه إلى المجاز. فلفظ القبضة واليمين حقيقة في الجارحة، والدليل العقلي قائم على امتناع ثبوت الأعضاء والجوارح لله تعالى، فوجب الحمل على المجاز، وذلك أنه يقال: فلان في قبضة فلان، إذا كان تحت تدبيره وتسخيره، ومنه: {أو ما ملكت أيمانهم} فالمراد كونه مملوكاً لهم، وهذه الدار في يد فلان، وقبض فلان كذا، وصار في قبضته، يريدون خلوص ملكه، وهذا كله مجاز مستفيض مستعمل.
وقال ابن عطية: اليمين هنا والقبضة عبارة عن القدرة، وما اختلج في الصدر من غير ذلك باطل. وما ذهب إليه القاضي، يعني ابن الطيب، من أنها صفات زائدة على صفات الذات، قول ضعيف، ويحسب ما يختلج في النفوس التي لم يحصها العلم.
قال عز وجل: {سبحانه وتعالى عما يشركون}: أي منزه عن جميع الشبه التي لا تليق به. انتهى. وقال القفال: هذا كقول القائل: وما قدرني حق قدري، وأنا الذي فعلت كذا وكذا، أي لما عرفت أن حالي وصفتي هذا الذي ذكرت، وجب أن لا تخطئ عن قدري ومنزلتي، ونظيره: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم} أي كيف تكفرون من هذه صفته وحال ملكه؟ فكذا هنا، {وما قدروا الله حق قدره}: أي زعموا أن له شركاء، وأنه لا يقدر على إحياء الموتى، مع أن الأرض والسموات في قبضة قدرته. انتهى. {والأرض}: أي والأرضون السبع، ولذلك أكد بقوله: {جميعاً}، وعطف عليه {والسموات}، وهو جمع، والموضع موضع تفخيم، فهو مقتض المبالغة. والقبضة: المرة الواحدة من القبض، وبالضم: المقدار المقبوض بالكف، ويقال في المقدار: قبضته بالفتح، تسمية له بالقدر، فاحتمل هنا هذا المعنى. واحتمل أن يراد المصدر على حذف مضاف، أي ذوات قبضة، أي يقبضهن قبضة واحدة، فالأرضون مع سعتها وبسطتها لا يبلغن إلا قبضة كف، وانتصب جميعاً على الحال. قال الحوفي: والعامل في الحال ما دل عليه قبضته انتهى. ولا يجوز أن يعمل فيه قبضته، سواء كان مصدراً، أم أريد به المقدار. وقال الزمخشري: ومع القصد إلى الجمع يعني في الأرض، وأنه أريد بها الجمع قال: وتأكيده بالجميع، أتبع الجميع مؤكدة قبل مجيء ذلك الخبر، ليعلم أول الأمر أن الخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة، ولكن عن الأراضي كلهن. انتهى. ولم يذكر العامل في الحال، ويوم القيامة معمول لقبضته. وقرأ الحسن: قبضته بالنصب. قال ابن خالويه: بتقدير في قبضته، هذا قول الكوفيين. وأما أهل البصرة فلا يجيزون ذلك، كما لا يقال: زيد داراً انتهى. وقال الزمخشري: جعلها ظرفاً مشبهاً للوقت بالمبهم. وقرأ عيسى، والجحدري: مطويات بالنصب على الحال، وعطف والسموات على الأرض، فهي داخلة في حيز والأرض، فالجميع قبضته. وقد استدل بهذه القراءة الأخفش على جواز: زيد قائماً في الدار، إذ أعرب والسموات مبتدأ، وبيمينه الخبر، وتقدمت الحال والمجرور، ولا حجة فيه، إذ يكون والسموات معطوفاً على والأرض، كما قلنا، وبيمينه متعلق بمطويات، ومطويات: من الطي الذي هو ضد النشر، كما قال تعالى: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه. وقيل: قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع، وبيمينه: وبقدرته.
قال الزمخشري: وقيل: مطويات بيمينه: مفنيات بقسمه، لأنه أقسم أن يفنيها؛ ثم أخذ ينحى على من تأول هذا التأويل بما يوقف عليه في كتابه، وإنما قدر عظمته بما سبق إردافه أيضاً بما يناسب من ذلك، إذ كان فيما تقدم ذكر حال الأرض والسموات يوم القيامة، فقال: {ونفخ في السور}، وهل النفخ في الصور ثلاث مرات أو نفختان؟ قول الجمهور: فنفخة الفزع هي نفخة الصعق، والصعق هنا الموت، أي فمات من في السموات ومن في الأرض.
قال ابن عطية: والصور هنا: القرن، ولا يتصور هنا غير هذا. ومن يقول: الصور جمع صورة، فإنما يتوجه قوله في نفخة البعث. وروي أن بين النفختين أربعين. انتهى، ولم يعين. وقراءة قتادة، وزيد بن عليّ هنا: في الصور، بفتح الواو جمع صورة، يعكر على قول ابن عطية، لأنه لا يتصور هنا إلا أن يكون القرن، بل يكون هذا النفخ في الصور مجازاً عن مشارفة الموت وخروج الروح. وقرئ: فصعق بضم الصاد، والظاهر أن الاستثناء معناه: {إلا من شاء الله}، فلم يصعق: أي لم يمت، والمستثنون: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، أو رضوان خازن الجنة، والحور، ومالك، والزبانية؛ أو المستثنى الله، أقوال آخرها للحسن، وما قبله للضحاك. وقيل: الاستثناء يرجع إلى من مات قبل الصعقة الأولى، أي يموت من في السموات والأرض إلا من سبق موته، لأنهم كانوا قد ماتوا، وهذا نظير: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} ثم نفخ فيه أخرى، واحتمل أخرى على أن تكون في موضع نصب، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور، كما أقيم في اوول، وأن يكون في موضع رفع مقاماً مقام الفاعل، كما صرح به في قوله: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} {فإذا هم قيام ينظرون} أي أحياء قد أعيدت لهم الأبدان والأرواح، {ينطرون}: أي ينتظرون ما يؤمرون، أو ينتظرون ماذا يفعل بهم، أو يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم. والظاهر قيامهم الذي هو ضد القعود لأجل استيلاء الذهن عليهم. وقرأ زيد بن علي: قياماً بالنصب على الحال، وخبر المبتدأ الظرف الذي هو إذا الفجائية، وهي حال لابد منها، إذ هي محط الفائدة، إلا أن يقدر الخبر محذوفاً، أي فإذا هم مبعوثون، أي موجودون قياماً. وأن نصبت قياماً على الحال، فالعامل فيها ذلك الخبر المحذوف. إن قلنا الخبر محذوف، وأن لا عامل، فالعامل هو العامل في الظرف، فإن كان إذا ظرف مكان على ما يقتضيه كلام سيبويه، فتقديره: فبالحضرة هم قياماً؛ وإن كان ظرف زمان، كما ذهب إليه الرياشي، فتقديره: ففي ذلك الزمان الذي نفخ فيه، هم أي وجودهم، واحتيج إلى تقدير هذا المضاف لأن ظرف الزمان لا يكون خبراً عن الجثة؛ وإن كانت إذا حرفاً، كما زعم الكوفيون، فلابد من تقدير الخبر، إلا أن اعتقد أن ينظرون هو الخبر، ويكون ينظرون عاملاً في الحال.
وقرأ الجمهور: {وأشرقت} مبنياً للفاعل، أي أضاءت؛ وابن عباس، وعبيد بن عمير، وأبو الجوزاء: مبنياً للمفعول من شرقت بالضوء تشرق، إذا امتلأت به واغتصت وأشرقها الله، كما تقول: ملأ الأرض عدلاً وطبقها عدلاً، قاله الزمخشري. وقال ابن عطية: وهذا إنما يترتب على فعل يتعدى، فهذا على أن يقال: أشرق البيت وأشرقه السراج، فيكون الفعل مجاوزاً وغير مجاوز، كرجع ورجعته ووقف ووقفته. والأرض في هذه الآية: الأرض المبدلة من الأرض المعروفة، ومعنى أشرقت: أضاءت وعظم نورها. انتهى. وقال صاحب اللوامح: وجب أن يكون الإشراق على هذه القراءة منقولاً من شرقت الشمس إذا طلعت، فيصير متعدياً بالفعل بمعنى: أذهبت ظلمة الأرض، ولا يجوز أن يكون من أشرقت إذا أضاءت، فإن ذلك لازم، وهذا قد تعدى إلى الأرض لما لم يذكر الفاعل، وأقيمت الأرض مقامه؛ وهذا على معنى ما ذهب إليه بعض المتأخرين من غير أن يتقدم في ذلك، لأن من الأفعال ما يكون متعدياً لازماً معاً على مثال واحد. انتهى.
وفي الحديث الصحيح: «يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس بها علم لأحد بنور ربها» قيل: يخلق الله نوراً يوم القيامة، فيلبسه وجه الأرض، فتشرق الأرض به، وقال ابن عباس: النور هنا ليس من نور الشمس والقمر، بل هو نور يخلقه الله فيضيء الأرض. وروي أن الأرض يومئذ من فضة، والمعنى: أشرقت بنور خلقه الله تعالى، أضافه إليه إضافة الملك إلى الملك. وقال الزمخشري: استعار الله النور للحق، والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل، وهذا من ذلك. والمعنى: وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل، وبسط من القسط في الحسنات، ووزن الحسنات والسيئات، وينادي عليه بأنه مستعار إضافته إلى اسمه، لأنه هو الحق العدل، وإضافة اسمه إلى الأرض، لأنه يزينها حين ينشر فيها عدله، وينصب فيها موازين قسطه، ويحكم بالحق بين أهلها، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه، ويقولون للملك العادل: أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك، كما يقولون: أظلمت البلاد بجور فلان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة»، وكما فتح الآية بإثبات العدل، ختمها بنفي الظلم.
{ووضع الكتاب}: أي صحائف الأعمال ووحد، لأنه اسم جنس، وكل أحد له كتاب على حدة، وأبعد من قال: الكتاب هنا اللوح المحفوظ. وروي ذلك عن ابن عباس، ولعله لا يصح، وقد ضعف بأن الآية سيقت مقام التهديد في سياق الخير. {وجيء بالنبيين} ليشهدوا على أممهم، {والشهداء}، قيل: جمع شاهد، وهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم. وقيل: هم الرسل من الأنبياء. وقيل: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يشهدون للرسل. وقال عطاء، ومقاتل، وابن زيد: الحفظة. وقال ابن زيد أيضاً: النبيون، والملائكة، وأمة محمد عليه السلام، والجوارح. وقال قتادة: الشهداء جمع شهيد، وليس فيه توعد، وهو مقصود الآية. {وقضى بينهم}: أي بين العالم، ولذلك قسموا بعد إلى قسمين: أهل النار وأهل الجنة، {بالحق}: أي بالعدل. {ووفيت كل نفس}: أي جوزيت مكملاً. {وهو أعلم بما يفعلون}، فلا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد، وفي ذلك وعيد وزيادة تهديد.